Share |

March 18, 2009

سعيكم مشكور



سعيكم مشكور، ينطلق السفرجى فى إثر الرجل المهم ويعزم بقلب، بكرم، ويشدد، شاى قهوة كركديه ينسون نعناع، يكاد يعرض سحلب شتاءً أو عنابا على الباشا صيفًا، يطلبها الباشا فى تؤدة سادة، القهوة لا تشرب إلا سادة، هكذا يعتقد البعض، قهوة سادة على روح الفقيد، فى العزاء متسع للجميع.
إن شاء الله آخر الأحزان، مصر الأخرى كانت هناك، حاضرة فى العزاء، نفس الوجوه الحليقة والبدل الأنيقة والعطور الفواحة ورابطات العنق الناعمة، كرافت بلون عصفور الجنانين خطف الأبصار جميعا، مصر لامعة فى مناسبات العزاء.
تحسبهم جميعا، يتركون معاركهم الصغيرة خارج القاعة، يعلقونها على مشجب الوطن العريض، هنيهة لحين أداء الواجب، الأحضان دافئة فى عز البرد، تربيت وتخبيط ومساج للأكتاف وطبطبة على الظهور، والقبلات متكررة، مثنى وثلاث ورباع، والأكف اللينة تصفق مرحبة، وتقبيل اللحى احتراما.
الرؤوس فى الرؤوس همسا، بالهمس بالنظرات بالعبرات بالصمت الرهيب، نفر منهم لا يحلو له الحديث عن شجون الوطن إلا فى العزاء، وتحديدا وقت قراءة القرآن، فرصة سانحة بعيدا عن استرقاق السمع والتنصت، صوت المقرئ يثير رائحة الدموع، يحرك الساكن والهاجع فى الأعماق، يوفر أجواء مواتية لاجترار الألم.
تحسبهم جميعا، لا يجتمعون إلا فى العزاء، يركضون إلى العزاء، العزاء واجب، أصحاب واجب، فى العزاءات يظهر رجال الدولة، العازفون منهم يحضرون مبكرا بين المغرب والعشاء، المستعرضون يفضلون ربع ما بعد صلاة العشاء، نفر منهم يحرص على تأدية الصلاة جماعة.
رجال الدولة فى العزاء بسطاء، لطفاء، ناعمون، باسمون، وجوه يومئذ راضية، يلقون بالتحيات الطيبات على الحضور الكرام، تزداد السلامات حرارة قد تصل إلى حدود تقبيل الوجنات مع المعارضة، حسن النوايا أو حسن الطالع.
لا يلتقون إلا فى العزاءات، رجال المعارضة والمستقلون ورجال النظام، أصدقاء، أخوة، وقت مستقطع، هدنة من المعارك، التقاط الأنفاس، فرصة لاستعادة بعض الحميمية التى غارت مياهها بعيدًا تحت وطأة الصراع، الديكة يتصارعون فى الحلقة.
يتسابقون إلى العزاءات، يغادرون راضون، حرارة العزاءات تذيب صخر العلاقات المتيبسة، يذوب الجليد، وتنساب مياه المحبة شلالات، يركبون السيارات الفارهة ملوحين، ويغادرون على أمل اللقاء فى عزاءات آخرى مقبلة، سعيكم مشكور.
مصر التى تجتمع فى العزاء، هى نفسها مصر التى لا تجتمع أبدا على كلمة سواء «البقاء لله»، لا على موقف، ولا على برنامج، ولا على مشروع، ولا على قانون، ولا حتى على جواز نقل الأعضاء، شيعًا وأحزابًا، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى.
البقية فى حياتكم، حياتكم الباقية خاوية من الحياة، حياة فارغة من المضمون، هواء، خواء، كل هذا العالم من حولى لا أحد، لا تغيرون ولا تتغيرون، الوجوه نفسها، المواقف نفسها، التناقضات والتطاحنات، أكاد أجزم بأننى شاهدت العزاء نفسه، التفاصيل نفسها. عزاؤك يا وطن، لازم حزن يلم الشمل، لازم فقد لنحس اليتم، ليس مطلوبا أن يموت الوطن لنجتمع، لنقف دقيقة حدادًا، دقيقة صمتًا، لنفكر، لنتدبر، الموت علينا حق، وأعمل لآخرتك كأنك ستموت غدًا، الوطن علينا حق، الموت راحة، والوطن حياة، أعمل لدنياك كأنك ستعيش أبدًا، وأنا أؤمن بالحياة
.

5 comments:

Unknown said...

Nice Stuff!

Commendable Blog indeed!

Dear Blogger, need your valuable feedback for:

www.octandigital.com

Regards,
Mehta

عمرو عزت said...

الجزء الأول من النص رائع وموحي وفيه تعبير مبتكر عن الفكرة
الجزء الثاني يكرر الفكرة بوضوح لا تحتاجه

تحياتي

الـسـيـدة نـون said...

محمد
انت اللى كاتب الكلام ده؟

ان قلتلى بتشتغل ايه؟

انت اكيد بتشتغل فى حاجة ليها علاقة بالأدب


بص انا عجبانى فكرة المقالة
بيسموها ايه يا بت يا خيخة؟
ايوة
افتكرت
الرمزية
انك مستخدم رموز

عاجبنى فكرة تشبيهك للوطن ولاحزاب بانهم افراد


انا مختلفة مع عمرو عزت
فى انى الجزء الاول احلى من الجزء التانى


انا عجبنى اكتر
الكوبليه الاخير

من اول حياتكم الباقية ليس فيها حياة

لغاية اخر كلمة

الجزء ده عاجبنى جدااااا



علشان كدة بقى انت بتتأخر علينا
تغيب تغيب وتطلع بروائع


تحياتى ليك

سلام
اختك خيخة

الـسـيـدة نـون said...

محمد صحيح
انا عايزة اتشرف بمعرفتك اكتر

ممكن تيجى بؤجة الخير بتاعة اول مايو؟

ياريت تيجى علشان اشوفك

سلام

انت تسال والكمبيوتر يجيب said...

دعوه
الأخ العزيز/
تحيه طيبه
برنامجنا الأذاعى عن النت والمدونات من الأذاعه الرئيسيه لمصر اى اذاعة البرنامج العام يذاع يوميا التاسعه وعشر دقائق صباحا عدا الجمعه
ندعوك لزيارة مدونتنا والتعليق على ما نطرحه من موضوعات وهذه التعليقات تذاع باسماء اصحابها فى حلقات برنامجنا

وبموقعنا رابط بالضغط عليه والأتنتظار قليلا وقت أذاعة البرنامج يمكنك الأستماع الينا
المدونه
http://netonradio.blogspot.com
الموقع
http://dear.to/cairo