Share |

August 18, 2006

بنديرة الى الجنة




لست ممن يدعون العلمانية التقدمية التى تجادل فى دور الأديان فى المجتمع..وتحاول التقليل من شأن هذا الدور والتنظير لحريات الكفر تحت مسمى حرية العقيدة

كما أننى كذلك لست ممن يبالغون فى حجم هذا الدور ومحاولات الزج به فى أدق تفصيلات الحياة اليومية للبشر....أؤمن أن الدين دائما ما ينحاز الى جانب الحق والخير والجمال فى أى موقف..ينحاز الى مصالح الناس وليس ضدها..ولكنه ينسق كل ذلك باطار من القواعد والأحكام التى تحفظ التوازن..وتمنع الاصطدام

.................................................................................................................................

لظروف اصلاح سيارتى ولرغبتى فى زيارة أحد الأصدقاء كان محتما الاستعانة بالتاكسى..وأنا على كل الأحوال من هواة التنقلات بالتاكسى خاصة للمسافات المتوسطة والقصيرة فهو أكثر توفيرا للوقت والبنزين-خاصة بعد الزيادة الأخيرة- وأكثرراحة للأعصاب لمن تستفزه عفاريت الأسفلت-الميكروبات صات-وقيادتهم البهلوانية

المهم أننى وقفت فى انتظار التاكسى..وأخذت أشير الى العديد منهم فيتوقف..وما ان يسمع وجهتى حتى ينطلق دون تعليق...فأنا أقف عند ناصية مكرم عبيد وأريد التوجه الى شارع الطيران..وهى مسافة غير مغرية للسائقين ناهيك عن ازدحام مدينة نصر فى الصيف...وانتظرت حوالى نصف ساعة والشمس حارقة

الى أن أكرمنى الله بسيارة أجرة متهالكة يقودها سائق ملتحى يرتدى جلبابا أبيض توقف لى وقال تفضل وما ان أمسكت بالباب حتى وجدته بمنتهى الأدب والهدوء يقول لى : ممكن نتفق على حاجة؟

فى الواقع أنى فكرت على الفور أنه سيتحدث عن الأجرة وزيادة أسعار البنزين...الخ ولما كنت من هواة تكبير دماغهم عن هذه الفصالات التى تدور حول جنيه أو اثنين فقد سارعت بفتح الباب قائلا ياعم خليها على الله واللى تطبه حتاخده..ولكنه بنفس الهدوء قال أنا لا أتحدث فى حقى ولكن فى حق الله..

ذهلت مما سمعت وارتسمت كل علامات الدهشة على وجهى ونظرت اليه متسائلا لأسمعه يقول :-حاوصلك بعد أن نصلى العصر جماعة !!!!

نظرت فى ساعتى..باق ربع ساعة على أذان العصر ومشوارى يستغرق بالسيارة خمس دقائق على الأكثر..فكيف سأقضى هذا الفارق فى الوقت؟

سألته فقال :- نفوت على جامع قريب لأخوة لنا فى الله نقرأ القرأن لغاية الوقت مايدخل.

حسمت أمرى قائلا :- جزاك الله خيرا ولكنى حاصلى مع صديق أو فى منزلى فأنا مستعجل ووقتى غير كاف

هنا تبدل حال الرجل..وبعد الهدوء والصوت الخافت صاح صارخا فى وجهى :- لعن الله أمثالك ياعدو الله انتم سبب مصائبنا انزل فأنا لا أوصل أمثالك..وقرن القول بالفعل بأن دفعنى بيده حتى كدت أسقط وأنا فى صدمة وذهول تعجزاننى عن أى رد فعل وانطلق بسيارته

يعلم الله أنى ممن يحرصون على الصلاة ويحفظون قدرا لابأس به من كتاب الله..ولكنى فى حياتى لم أتخيل مثل هذا الموقف بالرغم من كل ما أراه وأسمع عنه من فظاظة الكثير من المتأسلمين فى الدعوة ولكنى وقفت مشدوها أتساءل :- من أعطى سائق التاكسى الحق ليتحدث زاعما عما يسميه حق الله؟ وماذا لو لم أكن مسلما أساسا حين يعرض على مثل تلك المقايضة؟ وهل الوقت فى بلدنا صارفضفاضا الى هذه الدرجة؟ من أدرى هذا "الأخ" أننى لست ذاهبا الى عمل أو قضاء حاجة أو زيارة مريض..أليست كل هذه الأغراض فى طاعة الله أيضا؟

أخيرا....من يمكنه أن يتبجح الى هذه الدرجة ويمنحنا صكوك الغفران وتأشيرات الجنة ؟